الاقتصاد العالمي في معركة لا مفر منها لمواجهة التهرم السكاني
بتوقيت بيروت -

تتزايد تحذيرات الخبراء من أن الاقتصاد العالمي أمام تحد غير مسبوق يتمثل في التهرم السكاني الذي يفرض ضغوطًا متصاعدة على أسواق العمل، وأنظمة الرعاية الصحية، واستدامة النمو الناتج المحلي الإجمالي.

ومع تزايد عدد كبار السن بوتيرة سريعة في العديد من الدول المتقدمة والناشئة، تصبح الحاجة إلى إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

ويترتب على هذا التغير الديموغرافي تحديات كبيرة، بدءًا من انخفاض القوة العاملة وزيادة تكاليف التقاعد، وصولاً إلى التأثير على الإنتاجية والاستثمار.

وسلط البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الضوء على هذه المعركة الاقتصادية العالمية، واستعرض الاستراتيجيات الممكنة لمواجهة آثار الشيخوخة.

ومن بين تلك الحلول التركيز على الابتكار في سوق العمل، وتعزيز الإدخار والاستثمار طويل الأمد، وتطوير النظم الصحية لضمان اقتصاد مستدام قادر على مواجهة الضغوط الديموغرافية المتنامية.

وحث البنك في تقريره السنوي الصادر الثلاثاء، الحكومات حول العالم للتحرك بشكل أسرع لمنع تباطؤ النمو السكاني من إفساد آفاقها الاقتصادية على المدى الطويل.

وأفاد التقرير بأن شيخوخة السكان بدأت بالفعل تُعيق النمو في بعض الدول، وأنه في أوروبا، من المتوقع أن يُقلل انخفاض نسبة السكان في سن العمل من نمو نصيب الفرد السنوي من الناتج الإجمالي بمعدل يقارب 0.4 نقطة مئوية سنويًا بين عامي 2024 و2050.

وصرحت بياتا جافورشيك كبيرة الاقتصاديين في البنك لوكالة رويترز بأن “التركيبة السكانية تُضعف بالفعل نمو مستويات المعيشة، وستكون عائقًا أمام نمو الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل.”

وقالت إن الدول ما بعد الشيوعية “تشيخ قبل أن تُصبح غنية”، حيث بلغ متوسط ​​العمر 37 عامًا في وقت يبلغ فيه متوسط ​​نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 10 آلاف دولار.

ويمثل هذا ربع المبلغ المُسجل عندما وصل متوسط ​​العمر إلى هذا المستوى في الاقتصادات المتقدمة في تسعينيات القرن الماضي.

وأشار التقرير إلى مجموعة من العوامل التي تُسهم في انخفاض معدل المواليد، بدءًا من التحولات في المعايير الاجتماعية ووصولًا إلى انخفاض دخل المرأة الوظيفي من الإنجاب.

لكن في حين أن جميع الدول الأعضاء في البنك الأوروبي تقريبًا لديها بعض الحوافز لتعزيز معدل المواليد، قالت جافورشيك إن “هذه الإجراءات لم تُحدث تغييرًا ملموسًا ومستدامًا في أي بلد.”

0.4 في المئة سنويا معدل نمو نصيب الفرد جراء انخفاض نسبة السكان في سن العمل بين عامي 2024 و2050

وذكر التقرير أن الهجرة بالمستوى اللازم لمواجهة انخفاض المواليد ليست مقبولة سياسيًا في معظم الأماكن، وأن معظم المواطنين “مترددون” بشأن تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية.

وأوضحت جافورشيك أن العامل الأكبر هو عمل الناس لفترات أطول، الأمر الذي يتطلب أيضًا بعض إعادة التدريب، وربما تغييرات في أنظمة التقاعد.

وقالت “ما نحتاجه هو إجراء حوار ناضج مع الناخبين حول الوضع الراهن، فالناس في الواقع يميلون إلى التقليل من أهمية الاتجاهات الديموغرافية”.

وأضافت “نحن بحاجة إلى إعلام الناخبين الأصغر سنًا، على وجه الخصوص، لأنهم هم من سيتحملون عبء أنظمة التقاعد ذات الدفع الفوري”.

والقادة يتقدمون في السن بسرعة أكبر، حيث لا تحظى أي من الإجراءات التي يمكن أن تعوّض عن انخفاض معدلات المواليد بشعبية سياسية. لكن التقرير وجد أن شيخوخة السكان والقادة تزيد من صعوبة الأمر، إذ يفضلون ترشيد المعاشات التقاعدية وتقييد الهجرة.

وفي الاقتصاد المتوسط ​​عالميًا، يبلغ عمر القائد الآن 60 عامًا، أي أكبر بنحو 19 عامًا من متوسط ​​البالغين. وقد اتسعت هذه الفجوة في الأنظمة الاستبدادية إلى 26 عامًا في عام 2023، بعد أن كانت 19 عامًا في عام 1960.

وتعتقد جافورشيك أنه ينبغي على أحدث الدول الأعضاء في مؤسستها المالية المقرضة، بما في ذلك الدول الشابة والنامية مثل نيجيريا، التركيز على تمكين نمو الوظائف وتوسيع القطاع ال ، لأن الوقت يمر.

العائد الديمغرافي الذي دعم التوسع الاقتصادي العالمي في العقود الأخيرة يوشك أن ينحسر ليحل محله عائق ديمغرافي

وأضافت “هذا العائد الديموغرافي الذي يمكنهم التمتع به زائل”، مشيرةً إلى انخفاض معدلات المواليد في أجزاء أخرى من أفريقيا. “لذا، فرصة سانحة، وعلى هذه الدول استغلالها.”

وبحسب دراسة نشرها صندوق النقد الدولي في يونيو الماضي، فإن “العائد الديمغرافي الذي دعم التوسع الاقتصادي العالمي في العقود الأخيرة يوشك أن ينحسر ليحل محله عائق ديمغرافي.”

وذكر أنه في الاقتصادات المتقدمة، تشهد نسبة السكان في سن العمل انكماشا متواصلا بالفعل، وسوف تصل أكبر اقتصادات الأسواق الصاعدة إلى نقطة التحول الديمغرافية هذه في غضون العقد الحالي.

كما أشار معدا الدراسة، برتراند غروس وضياء نورالدين، إلى أن البلدان منخفضة الدخل الأكثر اكتظاظا بالسكان فستصل إليها بحلول عام 2070.

ووفق الباحثان في المؤسسة الدولية المانحة أن تحسين نتائج سوق العمل للأش البالغين 50 عاما أو أكثر، بفضل الحالة الصحية الأفضل، يمكن أن يساهم بنحو 0.4 نقطة مئوية سنويا في نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي في الفترة من 2025 ولغاية 2050.

وتقدّر توقعات الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان العالم إلى حدود 10 مليارات نسمة خلال العقود الثلاثة المقبلة، أي بزيادة تقارب 20 في المئة عن عدد السكان الحاليين.

وهذا الذي ينذر بتضاعف الضغوط التي تعيشها البشرية ة مع استمرار الصراعات وتأثيرات التغيرات البيئية والنقص في الموارد الطبيعية.



إقرأ المزيد