لبنانون فايلز - 11/23/2025 6:45:48 AM - GMT (+2 )
سجّلت أسعار سندات اليوروبوند اللبنانيّة؛ أي سندات الدين السيادي الدوليّة، والمقومة بالعملة الصعبة، تراجعات ملحوظة في تداولات هذا الأسبوع. حيث انخفضت القيمة السوقيّة لجميع شرائح هذه السندات، وبنسب تصل لغاية 2.58%، وفق تاريخ استحقاق كل شريحة. وفي النتيجة، بات سعر التداول لهذه السندات يتراوح بين 23.27 و23.61 سنتاً للدولار، بعد أن لامست بعض شرائح السندات حدود الـ 24 سنتاً للدولار في أواخر الأسبوع الماضي.
في النتيجة، بدا من الواضح أنّ سوق هذه السندات عاد ليُظهر مؤشّرات القلق في أوساط المستثمرين الدوليين، وإن كانت الأسعار الحاليّة لا تزال أعلى بنسبة 82.75% مقارنةً بأسعار الفترة المماثلة من العام الماضي، وهذا ما يعني أن الأسعار لم تخسر المكتسبات التي حقّقتها منذ انتهاء الحرب الإسرائيليّة على لبنان.
أهميّة برنامج صندوق النقد
ومن المعلوم أنّ الدولة اللبنانيّة ممتنعة، منذ آذار 2020، عن تسديد هذه الديون لحملة السندات، بانتظار التفاوض مع الدائنين على كيفيّة إعادة هيكلة هذا الدين. وبهذا المعنى، من الأكيد أنّ أي ارتفاع أو انخفاض في أسعار السندات يعكس اليوم تفاؤل الأسواق الدوليّة والصناديق الاستثماريّة أو تشاؤمها، لجهة مدى اقتراب لبنان من معالجة أزمة ديونه السياديّة، وإعادة هيكلتها. وهذا ما يستلزم أولاً تمرير المعالجات المرتبطة بالنظام المالي، وتحديداً تلك التي تُعنى بإعادة هيكلة قطاع المصارف، والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ومن المهم التذكير بأنّ مصرف "جي. بي. مورغان" كان قد قدّر في تقريرٍ سابق إمكانيّة ارتفاع أسعار هذه السندات إلى مستويات تلامس الـ 28 سنتاً للدولار؛ أي بزيادة قدرها 19% عن مستوى الأسعار الحالية. غير أنّ المصرف ربط تحقّيق هذا السيناريو بشرط وحيد: الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهذا ما يستلزم بطبيعة الحال تحقيق أهم شروط الصندوق، وخصوصاً تعديل قانون إصلاح أوضاع المصارف، وإقرار قانون الفجوة الماليّة.
ما أشار إليه "جي. بي. مورغان" كان مسألة متوقّعة. فأسعار اليوروبوند تتأثّر اليوم بديناميكيّات العرض والطلب، من قبل كبرى الصناديق الاستثماريّة الدوليّة، التي تراقب عن كثب أدق التفاصيل المرتبطة بمسار التعافي المالي. والحصول على شهادة الثقة من الصندوق، عبر الاتفاق التمويلي المُنتظر، يُعد خطوة لحل الأزمة قبل انخراط السلطات اللبنانيّة بمحادثات مباشرة مع حملة السندات، للتفاهم على إعادة هيكلة الديون باستحقاقات وفوائد وقِيم جديدة.
ماذا تقرأ السوق اليوم؟
ما قرأته الأسواق خلال الأسبوعين الماضيين كان واضحاً. فمحادثات وزارة الماليّة مع وفد جمعيّة المصارف، بيّنت خلالها الوزارة أنها تذهب باتجاه مقاربة ليّنة، بخصوص رساميل المصارف؛ أي حصص ملكيّة أصحاب المصارف. إذ يبدو أنّ الوزارة باتت أكثر تقبلاً لفكرة عدم شطب هذه الرساميل بالكامل في المرحلة الأولى، لكن مع ربط مصير هذه الرساميل بتدقيق يكشف "الشوائب" في الأرباح التي حقّقها كل مصرف، على حساب أموال مصرف لبنان.
ترى وزارة الماليّة أنّ هذه المقاربة يمكن أن تكون أكثر إنصافاً، عبر فرز المصارف، وفق استفادتها من العمليّات الاستثنائيّة التي قام بها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. غير أنّ المشكلة تكمن في رفض صندوق النقد الدولي، حتّى هذه اللحظة، لتلك المقاربة. حيث يصرّ الصندوق على استنفاد قدرة الأموال الخاصّة؛ أي رساميل أصحاب المصارف وحصصهم، على تحمّل الخسائر، قبل تحميل أيّة خسائر أخرى للمودعين. على هذا النحو، باتت المقاربة التي تنحو إليها وزارة الماليّة أكثر ابتعادًا عن الصندوق وشروطه، وهو ما سيزيد من صعوبة التوصّل إلى اتفاق مبدئي جديد مع الصندوق في القريب العاجل. وهذا ما قرأته الأسواق جيّدًا.
لكنّ الأسواق قرأت إشكاليّة أخرى. فالجولة نفسها بيّنت أن ثمّة جناح وازن داخل جمعيّة المصارف لم يتقبّل فكرة التدقيق في الأرقام، كمعيار لتوزيع الخسائر والبحث عن الشوائب في الرساميل. كما بيّنت أن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد ليس على الصفحة نفسها مع وزارة الماليّة، بل أبدى استغراباً من الفكرة. وسعيد ذهب أبعد من التحفّظ على هذه الفكرة، حيث وجّه انتقادات لاذعة لتعديلات مشروع قانون إصلاح المصارف، التي اقترحتها الحكومة، وهو ما كشف أنّ المصرف المركزي لا يزال بعيداً عن التعاون مع المعالجات التي تعمل عليها الوزارة.
هكذا، أصبحت الصورة أكثر ضبابيّة. فمن ناحية، لا يبدو أن جمعيّة المصارف ومصرف لبنان يبديان ما يكفي من الاستعداد لتقبّل المقاربات التي يجري العمل عليها حكومياً، لمعالجة الفجوة. ومن ناحية أخرى، لا يبدو أن صندوق النقد نفسه سيتقبّل بعض هذه المقاربات. وهذا ما بيّن أنّ الاتفاق مع صندوق النقد ما زال بعيداً، حتّى إشعارٍ آخر.
الضغوط الأمنيّة والماليّة
في الوقت نفسه، قرأت السوق مؤشّرات أخرى لا تقل اضطراباً. فزيارة وفد وزارة الخزانة الأميركيّة، بيّنت أن الإدارة في واشنطن ذاهبة حتّى النهاية في سياسة الضغوط القصوى، لمحاولة قطع تمويل حزب الله. وما طلبته من لبنان، خلال مهلة 60 يوماً، كانت لائحة من المطالب التي يصعب تحقيقها، على مستوى الامتثال وضبط تبييض الأموال، في ظل الاقتصاد النقدي الذي يسيطر على تداولات السوق في لبنان. وبذلك، ارتفعت المخاوف من تأثيرات هذه الضغوط، خصوصًا على مستوى علاقة لبنان مع النظام المالي العالمي.
من ناحية أخرى، لا تزال السوق تترقّب الأوضاع الأمنيّة في لبنان، التي لم تستقر وفق ترتيبات نهائيّة متّفق عليها إقليميًا ودوليًا. ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة على لبنان، تكثر التحليلات التي تناقش احتمال ارتفاع التصعيد إلى مستويات أعلى، وهو ما سيفرمل العمل على جميع الملفّات الماليّة.
على هذا النحو، تتقاطع العوامل التي ترسم صورة مربكة للوضع المالي محلياً، وهو ما ترك أثره على أسعار سندات اليوروبوند خلال الأسابيع الماضية. مع الإشارة إلى أنّ وكالة "موديز" كانت قد رجّحت أن يخسر حملة السندات نحو 65% من قيمة محافظهم الماليّة، وهو ما يعني استردادهم لنحو 45 سنتاً للدولار من قيمة الاستثمار في سندات اليوروبوند. وهذا ما يتجاوز بنحو 10 سنتات نطاق التداول الحالي، المُحدد وفق عوامل العرض والطلب في السوق.
علي نور الدين - المدن
The post قلق في أسواق اليوروبوند! appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
إقرأ المزيد


