في 12 ديسمبر عام 1866، شهد منجم أوكس للفحم الواقع في بارنسلي بمقاطعة يوركشاير الإنجليزية، بالقرب من ستيرفوت، سلسلة انفجارات مروعة شكلت نقطة مظلمة في تاريخ التعدين البريطاني.
بتوقيت بيروت - 12/16/2025 7:03:35 AM - GMT (+2 )
في السادس عشر من ديسمبر، تجمع الآلاف من سكان بوسطن الغاضبين حول دار الاجتماعات الجنوبية القديمة، بينما كانت السفن الثلاث “دارتموث وإليانور وبيفر” ترسو في الميناء تحت سماء شتوية. كانوا يحتجون على قانون الشاي الذي صدر في مايو من ذلك العام، وهو القانون الذي منح شركة الهند الشرقية البريطانية احتكارا لاستيراد الشاي إلى المستعمرات دون دفع رسوم جمركية، ما سمح لها ببيع الشاي بسعر أقل حتى من الشاي المهرب الذي اعتاد التجار المحليون تداوله. لم يكن الأمر مجرد ضريبة جديدة، بل كان محاولة صريحة من بريطانيا لتأكيد سلطتها المطلقة على المستعمرات المزدهرة، واستعراضا لقدرتها من خلال فرض إرادتها الاقتصادية.
لكن القصة لم تبدأ في تلك الليلة فقط، فجذورها تمتد إلى سنوات من التوتر المتصاعد. بحلول عام 1760، كانت المستعمرات البريطانية الثلاث عشرة في أمريكا الشمالية قد نضجت وأصبحت تتمتع بهوية ة ومصالح اقتصادية وسياسية متميزة.
ذاقت عمليا طعم الاستقلال الذاتي، وامتلكت مجالسها التشريعية واقتصادها الناشئ، والأهم من ذلك، أنها اتسبت فهمها ال للعدالة والحقوق. وكان الشعار الذي اجتاح الأفق السياسي هو “لا ضرائب من دون تمثيل”، وهو تعبير عن غضب المستعمرين من فرض برلمان بعيد في لندن ضرائب عليهم دون أن يكون لهم أدنى تمثيل فيه.
بعد حرب السنوات السبع المكلفة، وجدت بريطانيا نفسها غارقة في الديون، فالتفت إلى مستعمراتها كمصدر للدخل. رغم إلغاء معظم الضرائب المثيرة للجدل لاحقا تحت ضغط المقاومة المستمرة، تمسك البريطانيون بضريبة الشاي كرمز لهيمنتهم. لكن الأزمة بلغت ذروتها في عام 1773 عندما أوشكت شركة الهند الشرقية البريطانية العملاقة على الإفلاس، فسارع رئيس الوزراء البريطاني لورد نورث إلى إصدار قانون الشاي لإنقاذها، معتقدا أنه سيضرب عصفورين بحجر واحد، إنقاذ الشركة وإجبار المستعمرين على القبول الضمني بحق البرلمان في فرض الضرائب عبر شراء الشاي الرخيص.
رفض سكان المستعمرات هذا المنطق جملة وتفصيلا. رأوا في القانون ضربة مزدوجة، فهو من ناحية يضر بمصالح التجار والمهربين المحليين الذين بنوا ثرواتهم على التجارة، ومن ناحية أخرى يضع سابقة خطيرة بمنح شركة احتكارا قد يمتد ليشمل سلعا أخرى.
حين رفض الحاكم البريطاني في بوسطن عرضا أخيرا بإعادة السفن إلى إنجلترا، نفذ صبر المحتجين. في ظلام تلك الليلة، قامت مجموعة من الرجال تراوح عددهم بين ثلاثين ومئة وثلاثين، تتنكر بأزياء محاربي الموهوك وبوجوه ملطخة بالسخام، بتنفيذ خطة جريئة.
كان هؤلاء الرجال، المنظمين تحت راية “أبناء الحرية”، حريصين على إيصال رسالة سياسية دون عنف غير ضروري. صعدوا بهدوء إلى ظهر السفن الثلاث، وبحركة منضبطة استمرت ثلاث ساعات، أفرغوا 342 صندوق شاي يزن أكثر من 45 طنا في مياه الخليج. كان العمل دقيقا ومقصودا، لم يكسر المتظاهرون أقفالا، ولم يمسوا ممتلكات أخرى، ولم يؤذوا أي فرد من الطواقم.
كان الهدف هو الشاي وحده، رمز الظلم البريطاني. بلغت قيمة الضرر حوالي عشرة آلاف جنيه إسترليني، وهو مبلغ ضخم يعادل ملايين الدولارات اليوم، حتى قيل إن المد العالي جعل مياه الخليج تبدو كأنها عوالق شاي عملاقة، تلطخت بها جدران المنازل القريبة.

لم يمر الفعل من دون رد. في لندن، استقبل الخبر بالغضب والذهول.
كيف تتجرأ مستعمرة على تحدي سلطة التاج بهذه الوقاحة؟ كان الرد سريعا وقاسيا. أقر البرلمان سلسلة من القوانين القمعية عرفت في المستعمرات باسم “القوانين التي لا تطاق”، وشملت إغلاق ميناء بوسطن تماما أمام التجارة حتى تدفع المدينة تعويضات عن الشاي المدمر، وإلغاء الحكم الذاتي لماساتشوستس، وتعيين المسؤولين من قبل الملك مباشرة.
لكن بدلا من أن ترهب هذه الإجراءات العقابية المستعمرات وتفرقها، فعلت العكس تماما. اجتمعت القلوب على المكروه، وأصبحت بوسطن المحاصرة رمزا لقضية مشتركة. تدفقت المساعدات من المستعمرات الأخرى على شكل غذاء ومال، وتحول الظلم الواقع على مدينة واحدة إلى هم عام.
اجتمع ممثلون من اثنتي عشرة مستعمرة في سبتمبر 1774 في فيلادلفيا في المؤتمر القاري الأول للتشاور في رد موحد. كانت العجلة قد دارت بأسرع من أي وقت مضى، ففي أبريل 1775، انطلقت الطلقات الأولى للحرب الثورية الأمريكية في ليكسينغتون وكونكورد، لتبدأ حقبة جديدة من الكفاح من أجل الاستقلال.

لهذا، حفلة شاي بوسطن ليست مجرد قصة تخريب عارضة، بل هي مثال قوي على كيف يمكن لحدث محلي ظاهريا، ونقطة احتكاك محددة، أن تتحول إلى شرارة تشعل حركة تحرر كبرى عندما تنضج الظروف وتتوفر الإرادة الجماعية.
لقد جسدت اللحظة التي تحول فيها السخط المتراكم من نقاشات نظرية حول التمثيل والضرائب إلى فعل مباشر وملموس، حين أدرك المستعمرون أن الدفاع عن حرياتهم يتطلب أكثر من مجرد الاحتجاج اللفظي. كانت رسالة واضحة مكتوبة بأوراق الشاي المبعثرة في مياه بوسطن مفادها، خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن كرامة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها ليست سلعة قابلة للمساومة. من تلك الليلة الباردة، ولدت روح التحدي التي ستقود، بعد سنوات من الحرب والدماء، إلى ميلاد أمة جديدة.
المصدر: RT
في صباح يوم مشمس وبارد من شهر ديسمبر عام 1937، كان نهر اليانغتسي يتدفق بهدوء كعهده عبر قلب الصين المضطرب، حاملا معه أخبار الحرب والدمار.
إقرأ المزيد


