ماذا يعني انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش؟
لبنانون فايلز -

جاء في المدن - من المنتظر أن تشهد العلاقات السورية الأميركية انعطافة تاريخية غير مسبوقة، مع قرب الإعلان الرسمي عن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش"، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ تشكيل التحالف عام 2014.

فقد كشف المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، خلال مؤتمر حوار المنامة في البحرين، أن الرئيس السوري أحمد الشرع سيزور واشنطن في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، للتوقيع على وثيقة رسمية تُدخل بلاده كشريك رسمي في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم 89 دولة.

وقال باراك إن "الرئيس السوري سينضم إلى هذا التحالف الواسع الذي تشكّل لمواجهة داعش حين اجتاح سوريا والعراق"، مضيفاً أن "هذا الانضمام يمثل تحولاً كبيراً ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة بأسرها".

من جهته، أكد وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني أن زيارة الشرع إلى واشنطن "ستكون محطة محورية في إعادة ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "إعادة الإعمار ستكون على رأس جدول أعمال المباحثات"، وأن "سوريا تسعى إلى شراكة متوازنة مع واشنطن وعلاقات طبيعية مع جميع القوى الدولية".

ماذا يعني هذا الانضمام؟

بمجرد توقيع الاتفاق، ستصبح الدولة السورية ولأول مرة منذ عقد من الفوضى والانقسام، طرفاً رسمياً في الحملة الدولية ضد "داعش"، بعد أن كانت واشنطن تعتمد حتى الآن على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كذراع عسكري محلي على الأرض، خصوصاً في شرق الفرات (الجزيرة السورية).

ويعني ذلك أن الولايات المتحدة قد تبدأ بتعديل موقفها تجاه وجودها العسكري في سوريا، لا سيما في القواعد الرئيسية التي تديرها هناك، مثل قاعدتي حقلي العمر وكونيكو في دير الزور، وقاعدة التنف في البادية.

وإذا ما ترجم هذا التحول على الأرض، فقد يُفهم منه أن واشنطن بدأت تنظر إلى الدولة السورية كشريك شرعي في مكافحة الإرهاب، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل "قسد"، التي بُنيت كتحالف كردي عربي بدعم أميركي صريح، لكنها ظلت خارج إطار الدولة السورية طوال السنوات الماضية.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، الدكتور طلال المصطفى في حديث لـ"المدن": "إعلان مشاركة سوريا في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب يعتبر تحوّل سياسي استراتيجي مهم: يعيد الدولة السورية إلى المسرح السياسي الدولي، ويقلّل من تهميشها السياسي كما كانت في عهد الأسد المخلوع، ويضعها في علاقة شركاء مع الولايات المتحدة الأميركية بدلاً من كونها هدفاً للسياسة الأميركية أو طرفاً معزولاً على الصعيد الدولي".

وأضاف أنه "بالنسبة لقسد، فإن هذه الخطوة قد تعني تراجع تدريجي لدورها كذراع عسكري مستقلة للولايات المتحدة، أو دفعاً نحو تسوية سياسية مع السلطة السورية الجديدة تضعها ضمن إطار الدولة السورية أو تُغيّر طبيعة العلاقة معها، لكن، هذه ليست (نهاية) فورية لمرحلة الفواعل دون الدولة، بل بداية مرحلة انتقال، حيث ستختبر سوريا إذا ما كانت قادرة على استعادة دور الدولة كممثل وحيد للسيادة، والفواعل غير-الدولية إما تُضمّ أو تُهمّش أو تتغيّر طبيعتها".

نقلة نوعية

وقال الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي لـ"المدن": "تعد الزيارة الحالية لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة أول زيارة رسمية من نوعها، وتحمل طابعاً تاريخياً وستُحدد مستقبل سوريا بشكل جذري".

ورأى بربندي أن: "انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش، يُعد نقلة نوعية في موقعها الجيوسياسي، بعد أن كانت جزءاً من المحور الروسي الإيراني"، مشيراً إلى أن: "المبادرة جاءت بطلب أميركي صريح".

واعتبر أن: "إنهاء وجود المقاتلين الأجانب في الفصائل الموالية لسوريا، باعتبارهم عقبة أمام مصداقية الشراكة الدولية، شرط أساسي للانضمام".

ولفت إلى أن: "تحوّل الشريك الأميركي في سوريا من قوات سوريا الديمقراطية إلى الدولة السورية الرسمية، يعني أن واشنطن لن تتعامل مع أكثر من شريك محلي واحد".

وذكر أن رفع العقوبات مرتبط بالانضمام للتحالف، خصوصاً قانون قيصر، التي بات رفعها مشروطاً بمشاركة سوريا الفعّالة في مكافحة "داعش"، وفق تعبيره.

نهاية عصر الميليشيات؟

الخطوة تحمل إشارات قوية على أن مرحلة "الوكلاء" و"الفاعلين دون الدولة" قد تقترب من نهايتها، خصوصاً في ظل التحوّل السياسي الذي يقوده الشرع منذ تولّيه الحكم في كانون الأول/ديسمبر 2024، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.

فقد عمل الشرع على إعادة ترتيب أوراق السياسة الخارجية لبلاده، وفتح قنوات دبلوماسية جديدة مع الغرب، متخذاً من مكافحة الإرهاب بوابةً رئيسية لاستعادة الشرعية الدولية.

ويُنظر إلى هذه الزيارة التي ستكون الأولى لرئيس سوري إلى واشنطن منذ عقود، على أنها تتويج لهذا المسار، وربما بداية لمرحلة جديدة تقوم على إعادة بناء الدولة السورية كمرجعية وحيدة للسيادة، لا كمجرّد ساحة لصراعات الوكلاء الإقليميين والدوليين.

وقال الباحث في الشأن السياسي والعسكري رشيد حوراني لـ"المدن": "تسعى أميركا بعد أن رعت اتفاق 10 آذار/مارس بين قسد والحكومة السورية وماطلت بتطبيقه قسد، إلى سحب الامتياز الذي منحته لقسد باعتبارها شريكاً للتحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، ومنح هذا الامتياز للحكومة السورية، لأنها رأت طيلة الفترة الماضية منذ سقوط النظام وحتى تاريخه الجدية لدى الحكومة بتأمين توحيد الدولة واستقرارها، وبالتالي تكون أميركا من خلال هذه الخطوة بمساعدة الحكومة السورية في توحيد سوريا".

وتابع: "ترى أميركا بضم سوريا الى التحالف الدولي مكسباً أقوى من استفراد قسد به لأسباب متعددة منها: أن قسد تعد المهدد الأول للأمن القومي التركي، ولا تتخلى أميركا عن تركيا لصالح قسد ولقدرة الدولة السورية على مواجهة أعداء أميركا والتحالف الدولي المتمثل بإيران، وهذا الأمر لا تفعله قسد، وكل ذلك قد يكون مقدمة لبناء شراكة مع حلف الناتو، على غرار الشراكة بين الحلف وكوريا الجنوبية واليابان وقطر".

منصة عسكرية واقتصادية وأمنية

يُذكر أن التحالف الدولي ضد "داعش"، الذي تأسس في أيلول/سبتمبر 2014، لا يقتصر على البُعد العسكري فحسب، بل يشمل أيضاً جهوداً منسّقة لتفكيك البنية التحتية المالية للتنظيم، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب، واستعادة القطع الأثرية المسروقة، ودعم الاستقرار في المناطق المحررة.

ويشترك في هذا التحالف 89 دولة، منها 65 دولة قامت بمقاضاة أو اعتقال إرهابيين أو ممولين أجانب مرتبطين بالتنظيم.

وفي سوريا، يتركّز الوجود العسكري للتحالف في قواعد استراتيجية شرق الفرات، حيث كانت الضربات الجوية تستهدف بشكل روتيني حقول النفط والبنية التحتية التي كان "داعش" يستغلها لتمويل عملياته.

والآن، ومع قرب دخول الدولة السورية رسمياً كشريك، قد تُعاد صياغة طبيعة هذا الوجود، وربما تُنسّق العمليات المستقبلية بشكل مباشر مع الجيش السوري، لا عبر قوى محلية غير رسمية.

من جهته، قال الباحث القانوني والسياسي، فراس حاج يحيى لـ "المدن": "انضمام الدولة السورية رسمياً إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب يمثل تحوّلاً استراتيجياً في مكانة سوريا الدولية، كما يُعدّ اعترافاً ضمنياً بشرعية الحكومة السورية الجديدة كشريك موثوق في منظومة الأمن الإقليمي والدولي، بعد سنوات من العزلة والتصنيفات السابقة لبعض قادة الحكومة السورية الحالية الذين أزيلوا عن قوائم العقوبات الدولية".

وتابع: "هذا التطور يعني أن ملف الإرهاب لم يعد يُدار من خارج الدولة بل عبر مؤسساتها الشرعية، وأن مرحلة الفواعل دون الدولة، كالميليشيات المحلية والقوى الموازية، تقترب فعلياً من نهايتها".

وأشار إلى أنه: "بالنسبة لقسد، فالتحول سيضعها أمام خيارين واضحين: إما الاندماج الكامل في المؤسسة العسكرية الوطنية ضمن هيكل الجيش السوري وفق ترتيبات أمنية جديدة بإشراف التحالف، أو التحول إلى جسم سياسي مدني محلي يعمل ضمن مظلة الدولة وليس خارجها".

وختم بالقول: "عملياً، هذا الاتفاق يحدّ من الحاجة لأي أذرع محلية تابعة للولايات المتحدة، لأن واشنطن نفسها ستنتقل من إدارة أمنية عبر الوكلاء إلى تنسيق مباشر مع دمشق في إطار دولي مؤسسي، بما يعيد مبدأ السيادة السورية على كامل الجغرافيا ويؤسس لنهاية زمن الميليشيات كأدوات نفوذ".

ووسط كل ذلك، فإن انضمام سوريا إلى التحالف لا يعد مجرد إجراء شكلي، بل هو مؤشر على إعادة تشكيل الخريطة الأمنية والسياسية في البلاد، وربما في المنطقة بأسرها. فالسؤال لم يعد "من يحارب داعش؟"، بل "من يملك الشرعية لبناء ما بعد داعش؟".

وإذا كانت الإجابة اليوم تتجه نحو الدولة السورية، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام ترتيبات جديدة، ليس فقط في مكافحة الإرهاب، بل في إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، ورسم مستقبل سوريا الموحّدة.

The post ماذا يعني انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش؟ appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.



إقرأ المزيد