صوت لبنان - 11/25/2025 6:32:33 PM - GMT (+2 )
الثلاثاء ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥ - 18:27
المصدر: المدن
من المتوقّع أن يصل الرّئيس القبرصيّ نيكوس خريستودوليدس إلى بيروت غدًا، في زيارةٍ رسميّةٍ يبحث خلالها مع رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة آليّات توقيع اتّفاقيّة ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وقبرص، بعد إقرار الحكومة اللبنانيّة مشروع الاتّفاقيّة وإحالته إلى رئاسة الجمهوريّة.
ويقيم رئيس الجمهوريّة مأدبة عشاءٍ رسميّة على شرف الضيف القبرصيّ في قصر بعبدا، ينتظر أن تتوّج بإعلان التفاهم النهائيّ حول صيغة الاتّفاق، تمهيدًا لتوقيعه بين الوفدين اللبنانيّ والقبرصيّ.
في المقابل، تشير معطياتٌ سياسيّةٌ إلى أنّ رئيس الجمهوريّة تلقّى نصائح من قوى وشخصيّاتٍ دستوريّة تقضي بوجوب عرض الاتّفاقيّة على مجلس النوّاب لمناقشتها وإجازتها قبل الإقدام على التوقيع النهائيّ عليها، أو اعتبارها مبْرمة، تفاديًا لأيّ طعنٍ أو سجالٍ لاحقٍ حول مشروعيّتها الدستوريّة، خصوصًا في ظلّ الانقسام القائم حول ما إذا كان الاتّفاق يحقّق مصلحة لبنان البحريّة كاملةً أم يتضمّن تنازلاتٍ إضافيّة، وفق معلومات “المدن”.
ويعود أصل الملفّ الحالي إلى اتّفاقيّة الترسيم الأوّليّة التي وقّعت بين لبنان وقبرص في كانون الثاني 2007، على أساس “خطّ الوسط” بين النقطتيْن 1 و6، من دون اعتماد النّقطة 23 التي يعتبرها لبنان اليوم نقطة البداية الجنوبيّة لحدوده البحريّة. لم تصادق المؤسّسات الدستوريّة اللبنانيّة على تلك الاتّفاقيّة، فيما استغلّت إسرائيل الإحداثيّات القبرصيّة للتوصّل إلى اتّفاق ترسيمٍ مع نيقوسيا عام 2010، ما فتح نزاعًا على نحو 860 كيلومترًا مربّعًا من المياه الاقتصاديّة التي يعتبرها لبنان من حقوقه.
وقد عاد ملفّ الترسيم مع قبرص إلى الواجهة بقوّةٍ بعد توقيع اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل في تشرين الأوّل 2022 واعتماد النّقطة 23، ثمّ إطلاق مفاوضاتٍ جديدةٍ مع الجانب القبرصيّ لتصحيح نتائج اتّفاق 2007، وتحديد النّقطة الثلاثيّة المشتركة مع سوريا. وتأتي زيارة خريستودوليدس الراهنة استكمالًا لمسارٍ شهد في الأشهر الماضية زياراتٍ متبادلة، بينها زيارة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة إلى نيقوسيا، وزيارة وفدٍ تقنيّ قبرصيّ إلى بيروت لبحث الصيغ النهائيّة للترسيم.
وتذكّر المصادر بأنّ الاتّفاق الحاليّ يستند في جذوره إلى صيغةٍ أولى وضعت عام 2007، ثمّ أعيد فتحها وتطويرها تدريجيًّا على ضوء اعتراضاتٍ قانونيّةٍ وتقنيّةٍ لبنانيّة، وإحداثيّاتٍ عدّلت وأودعت الأمم المتحدة، إلى أن توصّل الطرفان مؤخرًا إلى مسوّدةٍ جديدةٍ يفترض أن تعادل بين ضرورة حفظ الحقوق البحريّة اللبنانيّة من جهة، وحاجة قبرص إلى استقرارٍ قانونيّ يسمح لها باستثمار حقول الغاز في مياهها الإقليميّة من جهةٍ أخرى.
عمليًّا، يكون لبنان قد تقدّم خطوةً كبيرة نحو استكمال ترسيم حدوده في شرق المتوسّط، إذ أنجز الترسيم مع قبرص قبل الانتهاء من مسار الترسيم البحريّ والبريّ مع سوريا، وقبل أيّ تفاهمٍ مكتملٍ مع تركيا، على الرغم من حساسيّة موقف أنقرة حيال أيّ ترتيباتٍ بحريّةٍ في المتوسّط لا تراعي مصالحها أو مصالح “قبرص الشماليّة”. وهذا التقدّم قد يساهم في تسريع المفاوضات مع دمشق، كما قد يفتح باب اعتراضاتٍ جديدةٍ من الجانب التركيّ، تبعًا لاتّجاهات الصراع الإقليميّ على الغاز وخطوط النّقْل إلى أوروبا.
اقتصاديًّا، يرْتبط ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص مباشرةً بملفّ استكشاف الغاز في شرق المتوسّط، وبمساعي الشركات الدوليّة إلى توسيع نشاطها في البلوكات اللبنانيّة والقبرصيّة. فقد أقرّ مجلس الوزراء اللبنانيّ الاتّفاقيّة بالتزامن مع منح رخْصة الاستكشاف والإنتاج في الرقعة البحريّة رقم 8 لتحالف “توتال إنرجيز” و”قطر للطاقة” و”إيني”، وسط رهانٍ على أن يسهم حسْم ملفّ الترسيم مع قبرص في تشجيع الاستثمار وتسريع أعمال الاستكشاف، مقابل تحفّظاتٍ وخشيةٍ لدى معارضين يرون أنّ لبنان قد يخسر مساحاتٍ إضافيّة من مياهه الاقتصاديّة.
وعلى خلْفيّة هذا الملفّ البحريّ، تبرز العلاقة اللبنانيّة القبرصيّة التي تمتدّ عقودًا من التعاون الدبلوماسيّ والاقتصاديّ، والتي عرفت محطّاتٍ إنسانيّةً خلال الحروب والأزمات، حين شكّلت قبرص ملاذًا آمنًا لآلاف اللبنانيّين، كما شكّل لبنان شريكًا أساسيًّا لنيقوسيا في ملفات الأمن والهجرة واللاجئين. وتؤكّد التصريحات الرسميّة في بيروت ونيقوسيا أنّ العلاقات بين البلديْن “ممتازة” وأنّ هناك إرادةً سياسيّةً واضحةً لتعزيز التعاون في مجالات الدّفاع والأمن والطاقة والتجارة والسياحة، مع حرص قبرص على التأكيد أنّها تلتزم احترام سيادة لبنان ووحدة أراضيه، وتطمح إلى أن تكون “جزءًا من الحلّ لا جزءًا من المشكلة” في أزمات المنطقة.
إقرأ المزيد


