لبنانون فايلز - 11/15/2025 7:52:07 AM - GMT (+2 )
لم تأتِ حسابات البيدر مطابقة لحسابات الحقل بالنسبة لمزارعي "القنب" هذا الموسم. فبعدما علّق هؤلاء آمالهم على قرار حكوميّ يسمح بتصريف الإنتاج بدءًا بموسمه الحالي، عبر أول هيئة ناظمة تنشأ بإطار تشريع الزراعة لأغراض صناعية وطبية، ويترجم "حسن النيات" تجاه المزارعين الراغبين في التعاون مع الدولة لتحويل زراعة القنب من زراعة ملاحقة قانونيًا إلى زراعة مرغوبة لأغراض طبية وصناعية عالميًا، جاء قرار مجلس الوزراء يوم الخميس معاكسًا للأمنيات كما للتوقعات.
فقد أكّد مجلس الوزراء التزامه بالخطة المقترحة من رئيس مكتب مكافحة المخدّرات المركزي لتلف الأراضي المزروعة بالحشيشة. وفي المقابل طلبت الحكومة من الهيئة الناظمة إعداد النصوص التطبيقية للقانون 178 الصادر منذ العام 2020 لتشريع الزراعة، ورفعها إلى سلطة الوصاية لإقرارها، ولا سيّما النصوص المتعلّقة بتحديد النطاق الجغرافي للمساحات المزروعة، والإسراع في تعيين لجنة التقييم المكلّفة بدراسة طلبات الترخيص.
غير أن هذا القرار لم يكن صادمًا للمزارعين الراغبين في الخروج من دوّامة واقعهم غير الشرعي فقط، وإنما أصاب أيضًا رئيس الهيئة الناظمة الدكتور داني فاضل، الذي كان على رأس الفريق المؤيّد لاستلام المحصول مع ثلاثة من أعضاء هيئته، في مقابل ثلاثة خالفوا هذا التوجّه.
شريك دولي جاهز؟
في اتصال مع "نداء الوطن" لم يخف فاضل خيبته، خصوصًا بعد الجهد الذي بذله لتأمين استجابة دولية تتيح تصريف الإنتاج إلى الخارج. وعليه، هو رفض الحديث عن مخاوف تلف التوجه الذي كان يؤيّده، معتبرًا أن المخاوف الحقيقية هي من استمرار الوضع الحالي الذي يغذي تجار المخدّرات.
وكشف فاضل في المقابل، أن الطلب الذي قدّمه إلى الحكومة كان مدعومًا بضمانات مكتوبة من شخصية تعمل في مجال صناعة الأدوية العالمية، أبدت استعدادًا لشراء المحصول بالكامل بضعف السعر الذي يدفعه تجار المخدّرات للمزارعين. والأهم، أن هذه الجهة كانت تتعهّد في حال تعثر التصدير، بأن تحرق الإنتاج بالتنسيق مع القوى الأمنية.
هذه الآلية وفقًا لفاضل لم تكن مفيدة فقط للمزارع الذي سيؤمّن تصريف إنتاج موسمه الحالي بضعف سعره، بل كانت فرصة حقيقية لوضع الزراعة نفسها على سكّة شراكة مستدامة مع الجهة المشترية في المواسم المقبلة، بما يؤمّن تحسين نوعية المحصول ليواكب المواصفات العالمية المطلوبة لزراعة القنب الطبي والصناعي.
الهيئة منقسمة
وبالعودة إلى قرار مجلس الوزراء، فقد تبيّن وفقًا لما ورد بالقرار الذي حمل الرقم 15، أن الهيئة لم تكن على توافق تام بالنسبة للمساهمة بتصريف محصول القنب في الموسم الجاري. وعليه، فقد انقسم الأعضاء بين ثلاثة رفضوا التوجه وأربعة ومن بينهم رئيس الهيئة أصرّوا عليه.
إذ طلب الفريق المؤيّد لفاضل، منح الهيئة الحق بتصريف الإنتاج لجهات خارجية عبر القنوات القانونية المعتمدة، أو للداخل عبر مصانع الأدوية الوطنية التي سيسمح لها بالتصنيع، لمرة واحدة واستثنائية. وقد علّل الأسباب الموجبة لذلك بالتالي:
أوّلًا، إن المزارعين قد حصدوا محاصيلهم وخزنوها في منازلهم ما يجعل عملية التلف شبه مستحيلة دون ذكر الاضطرابات الأمنية.
ثانيًا، غياب أي إطار قانوني واضح لتصريف المحاصيل المجموعة والمُخزنة أو ضبطها، ما يوجب الموازنة بين متطلبات الأمن والالتزام بالقانون، ويمنع في الوقت نفسه من تسرّب المحاصيل إلى الأسواق غير الشرعية.
ثالثًا، ضرورة الحفاظ على البذور الوطنية التي أثبتت التحاليل المخبرية أهميتها للاستخدامات الطبية والصناعية، تمهيدًا لاعتمادها في المواسم المقبلة.
رابعًا، توفر الأساس القانوني لتنظيم التصدير والتصنيع بصورة مراقبة ومرحلية وهي المادة 17 من القانون، التي أجازت للهيئة منح تراخيص للتصدير كما منح تراخيص للتصنيع أو الزراعة. علمًا أن القانون 2020/178 هو قانون خاص واجب التطبيق مباشرة باستثناء الأحكام التي تحتاج نصوصًا تنفيذية. وبالتالي، فإن أحكام تصريف المحصول للتصدير أو التصنيع قابلة للتطبيق فورًا.
الحكومة تتبنى الرأي المعارض لرئيس الهيئة
في المقابل رأى أصحاب الرأي الرافض لتوجه رئيس الهيئة والفريق المؤيد له، والذي تبنته الحكومة في قرارها، أن هذا الاقتراح "لا يستقيم لا واقعًا ولا قانونًا، ولا يمكن السير به حتى بصورة استثنائية، ما يوجب تلف الإنتاج بعد أخذ العيّنات اللازمة، وإذا تعذر ذلك مصادرته لصالح الهيئة".
وفي الأسباب القانونية التي أوردها رافضو تسلم محصول العام الجاري، أن القانون رقم 2020/178 ربط شرعية زراعة نبتة القنب بالاستحصال على ترخيص مُسبق من الهيئة وفق معايير وشروط صارمة، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتحقق بالنسبة للموسم الحالي الذي تتوافر في أفعال مزارعيه عناصر الجرم المنصوص عنه في المادة 125 من قانون المخدّرات. أي بمعنى أدق إن محصول الموسم الحالي غير شرعي لعدم مراعاته الشروط القانونية من لحظة الاستحصال على البذور إلى لحظة جني المحصول، إضافة إلى أن من قام بزرعه كان بنية بيعه لتجار المخدرات. وبالتالي، هم أشخاص قيد الملاحقة القانونية. علمًا أن المادة 26 من قانون تشريع الزراعة وما يليها، تفترض اعتماد مبدأ الشفافية والتعقب بدءًا بعمليات استيراد البذور ولغاية تصديرها، وهذا ما لم يتم اعتماده بالنسبة إلى محصول الموسم الحالي.
وعليه اعتبر هذا الرأي "أن تصريف محصول العام الحالي من شأنه أن يُسهّل أعمال مبيّضي أموال ومُرتكبي جرائم، من بينها إطلاق النار على عسكريين ومحاولة قتلهم، ما يُرتب نتائج على التزامات لبنان الدولية في مجال مكافحة الجرائم المنظمة وتبييض الأموال".
تشكيك بجدوى الموسم
وإلى أسباب قانونية أخرى وردت في مطالعة هذا الفريق، فهو اعتبر أن الهيئة تفتقد من الناحية الواقعية إلى أدنى مقومات العمل المطلوبة للنهوض بهذا القطاع، فهي ليس لديها مركز، لم يصدر مرسوم تعويضاتها، لم يصدر نظامها الداخلي والمراسيم التطبيقية للقانون، ولم تتكون بعد سلطتها التنفيذية. كما أنها لا تزال تفتقر للموارد البشرية واللوجستية لإتمام مهامها الرقابية والتنظيمية.
إلى كون الهيئة كما أجهزة الدولة عاجزة عن مراقبة تصريف المحصول وضمان عدم إساءة استعماله، شكك معارضو تسييل إنتاج الموسم الحالي المطلوب تصريفه عبر الهيئة، بجدوى مساحاته المزروعة، نتيجة لعدم وجود دراسة فنية وعلمية واضحة تُثبت بأن محصولها مطابق للمواصفات أو المعايير العالمية. وأورد المطالعون أيضًا في مطالعتهم أن المصانع اللبنانية غير راغبة في شراء المحصول لعدم جهوزيتها بسبب افتقارها للمعدّات اللازمة للتصنيع وعدم حيازتها شهادات الأصول المنصوص عنها في المادة 18 من القانون.
هل يدفع المزارعون إلى أحضان تجار المخدّرات مجددًا؟
لم يخف فاضل في حديثه مع "نداء الوطن" بالمقابل، أن قرار الحكومة يشكل انتكاسة في تطبيق القانون. واعتبر أنه يعطي "pass" لتجار المخدّرات لهذا الموسم، بدلًا من أن نخلّص الإنتاج من قبضة من يشترونه ليخلطوه بمواد تجعل أبناءنا يدمنون الكبتاغون. معتبرًا أن المخاوف التي حالت دون تطبيق آليته المقترحة، من شأنها أن تبقي الزراعة في الدوامة نفسها، بحيث لا يستفيد منها سوى تجار المخدرات.
ورفض فاضل أن تكون انطلاقة عمله في الهيئة الناظمة بعد إقرار مخصصاته كرئيس لها، بمشاحنات مع الحكومة التي اتخذت القرار. ولكنه لفت إلى تداعيات تسبّب فيها هذا القرار، وخصوصًا بعد نجاحه خلال المؤتمر الذي دعي إليه في لندن كرئيس للهيئة في نهاية الأسبوع الماضي، بانتزاع موافقة من الأمم المتحدة على بيع حوالى 450 هكتارًا من إنتاج الموسم الحالي إلى الخارج. مؤكدًا أن التحاليل التي أجرتها الهيئة على الإنتاج، أثبتت أن نوعيته صالحة لتصنيع الدواء. وقد رفع إلى مجلس الوزراء كامل ملف الضمانات حول التصدير.
في المقابل، لفت فاضل إلى الانتكاسة التي لحقت بتقليعة الهيئة من جرّاء قرار الحكومة. إذ إن الجهة التي وهبت أن تبني للهيئة منصتها الإلكترونية من أجل استقبال طلبات الترخيص وربط المزارع بالمصنع، تراجعت عن هبتها بسبب اهتزاز ثقتها بقرارات الحكومة، وبالتالي إذا لم يتوفر تمويل من الدولة لهذه المنصة، فإنها قد لا تكون جاهزة قبل بداية الموسم المقبل.
ومع ذلك، يصرّ فاضل على أن الهيئة ستمضي بعملها بالمتوفر، وإلى جانب استخدامه حساباته الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التفاعل مع المزارعين وإطلاعهم على كافة القرارات، وعد بفتح مكاتب للهيئة في البقاع لاستقبال طلبات التراخيص يدويًا، إلى أن تصبح المنصة جاهزة. مؤكدًا أن "المسؤولية كبيرة، ولكنني ملتزم بما يمليه القانون، وبأن أكون إلى جانب المزارع".
لوسي بارسخيان - نداء الوطن
The post قنب البقاع... اتفاق في الحقل وخلاف على بيدر الحكومة appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.
إقرأ المزيد


