بتوقيت بيروت - 11/12/2025 6:02:28 AM - GMT (+2 )
منذ دخلت طفرة الذكاء الاصطناعي أوجها، بدأت تظهر تحذيرات من فقاعة مضاربة قد تُضاهي موجة فقاعة شركات الإنترنت في أواخر التسعينيات، التي انتهت بانهيار مذهل وموجة إفلاسات.
تنفق شركات التقنية مئات مليارات الدولارات على الرقائق ومراكز البيانات المتطورة، ليس فقط لمواكبة الزيادة الكبيرة في استخدام برامج الدردشة الآلية مثل “تشات جي بي تي” و”جيميناي” و”كلود”، لكن أيضاً لضمان جاهزيتها للتعامل مع التحوّل الجذري والمزلزل للنشاط الاقتصادي من البشر نحو الآلات.
قد تصل التكلفة النهائية إلى تريليونات الدولارات، ويأتي التمويل من رأس المال الجريء والديون، وحديثاً من بعض الترتيبات غير التقليدية التي أثارت الدهشة في وول ستريت.
حتى أن بعض أكبر مُشجعي الذكاء الاصطناعي يُقرّون بأن السوق تشهد حالة من الزَّبد، مع استمرارهم في تأكيد إيمانهم بإمكانيات هذه التقنية على المدى الطويل. يقولون إن الذكاء الاصطناعي يوشك على إعادة تشكيل كثير من القطاعات وعلاج الأمراض وتسريع التقدم البشري عموماً.
مع ذلك، لم يسبق من قبل إنفاق أموال بهذا القدر والسرعة على تقنية ما تزال غير مثبتة إلى حد ما كنموذج أعمال مربح.
قد يشعر المسؤولون التنفيذيون في صناعة التقنية الذين يشككون بشكل في أكثر التقييمات تفاؤلاً للإمكانات الثورية للذكاء الاصطناعي -أو على الأقل يكافحون لمعرفة كيفية تحقيق الدخل منه- أنه ليس لديهم خيار سوى مواكبة استثمارات منافسيهم أو المخاطرة بتفوق يهمشهم في سوق الذكاء الاصطناعي في المستقبل.
أكدت الانخفاضات الحادة في أسهم التقنية العالمية في أوائل نوفمبر قلق المستثمرين المتزايد بشأن التقييمات المرتفعة للقطاع، مع تحذير الرؤساء التنفيذيين في وول ستريت من تصحيح متأخر للسوق.
ما هي علامات التحذير في مجال الذكاء الاصطناعي؟
عندما أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، التي أنتجت “تشات جي بي تي”، عن خطة للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار تعرف باسم “ستارغيت” (Stargate) إلى جانب مسؤولين تنفيذيين آخرين في البيت الأبيض في يناير، أثار السعر بعض عدم التصديق.
منذئذ، كثّف المنافسون الآخرون في قطاع التقنية الأخرى الإنفاق، ومن بينهم مارك زوكربيرغ من “ميتا”، الذي تعهد باستثمار مئات المليارات في مراكز البيانات. ولكي لا يتفوق عليه أحد، قال ألتمان منذ ذلك الحين إنه يتوقع أن تنفق “أوبن إيه آي” “تريليونات” على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
لتمويل هذه المشاريع، تدخل “أوبن إيه آي” منطقة جديدة. في سبتمبر، أعلنت شركة صناعة الرقائق ”إنفيديا” عن اتفاقية لاستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في بناء مركز بيانات “أوبن إيه آي”، وهي صفقة يقول بعض المحللين إنها تثير تساؤلات حول ما إذا كانت شركة صناعة الرقائق تحاول دعم عملائها حتى يستمروا في الإنفاق على منتجاتها.
أحاطت هذه المخاوف “إنفيديا” بدرجات متفاوتة على مدى معظم فترة الطفرة. لقد دعمت الشركة المهيمنة على صناعة رقائق تسريع الذكاء الاصطناعي عشرات الشركات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك صانعي نماذج الذكاء الاصطناعي ومقدمي الحوسبة السحابية.
ثم استخدم بعضها رأس المال لشراء أشباه الموصلات باهظة الثمن من شركة “إنفيديا”. أما صفقة “أوبن إيه آي” فكانت أكبر بكثير من حيث الحجم.
كما أشارت “أوبن إيه آي” إلى أنها قد تسعى إلى تمويل الديون، بدلاً من الاعتماد على شركاء مثل “مايكروسوفت” و”أوراكل”. الفرق هو أن هذه الشركات لديها أعمال راسخة ومتينة حققت أرباحاً لسنوات عديدة. وتتوقع “أوبن إيه آي” أن تستهلك 115 مليار دولار نقداً حتى عام 2029، حسب تقرير من موقع (The Information).
تعتمد شركات التقنية الكبرى الأخرى أيضاً بشكل متزايد على الديون لدعم إنفاقها غير المسبوق. على سبيل المثال، لجأت “ميتا” إلى المقرضين لتأمين 26 مليار دولار من التمويل لمجمع مركز بيانات مخطط له في لويزيانا تقول إنه سيقترب في النهاية من حجم مانهاتن.
كما تقود كل من “جيه بي مورغان” ومجموعة “ميتسوبيشي يو إف جيه فاينانشال” قرضاً يزيد عن 22 مليار دولار لدعم خطة “فانتاج داتا سنترز” (Vantage Data Centers) لبناء مجمع ضخم لمراكز البيانات، حسب تقرير من بلومبرغ نيوز.
إذاً ماذا عن سداد هذه المبالغ؟
قالت شركة “باين آند كو” (Bain & Co) في تقرير أصدرته في سبتمبر إنه بحلول عام 2030، ستحتاج شركات الذكاء الاصطناعي إلى 2 تريليون دولار من الإيرادات السنوية المجمعة لتمويل قوة الحوسبة اللازمة لتلبية الطلب المتوقع. مع ذلك، توقعت “باين” أن تقل إيراداتها عن هذا الرقم بمقدار 800 مليار دولار.
قال ديفيد إينهورن، مدير صندوق التحوط البارز ومؤسس “غرينلايت كابيتال”: “الأرقام التي تُتداول متطرفة جداً لدرجة أنه يصعب حقاً فهمها… أنا متأكد من أنها لن تكون صفراً، ولكن فرصة معقولة لحدوث قدر هائل من تدمير رأس المال من خلال هذه الدورة”.
في إشارة إلى العصر الحالي، أيضاً عدد متزايد من الشركات الأقل خبرة التي تحاول الاستفادة من حمى مراكز البيانات. وقعت شركة “نيبيوس” (Nebius)، وهي شركة سحابية مقرها أمستردام انسلخت عن عملاق الإنترنت الروسي “ياندكس” (Yandex) في عام 2024، حديثاً صفقة بنية تحتية مع “مايكروسوفت” بقيمة تصل إلى 19.4 مليار دولار. وتعمل شركة “إنسكيل” (Nscale)، وهي شركة بريطانية غير معروفة لمراكز البيانات، مع “إنفيديا” و”أوبن إيه آي” و”مايكروسوفت” على عمليات بناء في أوروبا.
مثل بعض مزودي البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الآخرين، ركزت “إنسكيل” سابقاً على قطاع آخر يعتريه الزَّبد هو تعدين العملات المشفرة.
هل مخاوف بشأن التقنية نفسها؟
تطغى الشكوك المستمرة حول العائد من تقنية الذكاء الاصطناعي على موجة الإنفاق على مراكز البيانات. في أغسطس، قلق المستثمرون بعد أن وجد باحثون في معهد ماساتشوستس للتقنية أن 95% من المؤسسات لم تتلقّ عائداً على استثماراتها في مبادرات الذكاء الاصطناعي.
في الآونة الأخيرة، قدم باحثون في جامعتي هارفرد وستانفورد تفسيراً محتملاً لسبب ذلك. يستخدم الموظفون الذكاء الاصطناعي لإنشاء ما يُسمى اصطلاحياً “نفايات العمل”، التي يعرفها الباحثون بأنها “محتوى عمل يولّده الذكاء الاصطناعي ويتنكر في ة عمل جيد، لكنه يفتقر إلى الجوهر اللازم للتقدم الهادف في مهمة معينة”.
لطالما كان وعد الذكاء الاصطناعي هو أنه سيساعد في تبسيط المهام وتعزيز الإنتاجية، ما يجعله أصلاً لا يُقدّر بثمن للعاملين وأصلاً تدفع الشركات أعلى سعر مقابله. بدلاً من ذلك، وجد الباحثون من جامعتي هارفرد وستانفورد أن انتشار العمل غير المنظم قد يكلف المؤسسات الأكبر ملايين الدولارات سنوياً من فقدان الإنتاجية.
يواجه مطورو الذكاء الاصطناعي أيضاً تحدياً مختلفاً. فقد راهنت شركة “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” مطورة روبوت الدردشة “كلود” وآخرون لسنوات على ما يُسمى بقوانين التوسع- وهي فكرة أن مزيداً من قوة الحوسبة والبيانات والنماذج الأكبر ستمهد الطريق حتماً لقفزات أكبر في قوة الذكاء الاصطناعي. وفي النهاية، يقولون إن هذه التطورات ستؤدي إلى الذكاء الاصطناعي العام، وهو شكل افتراضي من التقنية شديد التطور لدرجة أنه يضاهي البشر أو يتفوق عليهم في معظم المهام.
مع ذلك، خلال العام الماضي، شهد هؤلاء المطورون عوائد متناقصة من جهودهم المكلفة لبناء ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً. كما كافح بعضهم لمواكبة الضجيج الذي أحدثوه.
بعد أشهر من ترويج “تشات جي بي تي 5” على أنه قفزة كبيرة، قوبل إصدار “أوبن إيه آي” لأحدث نموذج للذكاء الاصطناعي في أغسطس بآراء متباينة. في تصريحات حول الإطلاق، أقرّ ألتمان بأننا “ما زلنا نفتقد شيئا مهماً جداً” للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام.
تتفاقم هذه المخاوف بسبب المنافسة المتزايدة من الصين، حيث تغمر الشركات السوق بنماذج ذكاء اصطناعي تنافسية ومنخفضة التكلفة. في حين ما تزال الشركات الأميركية تُعتبر عموماً متقدمة في السباق، فإن البدائل الصينية تخاطر بتقويض وادي السيليكون من حيث السعر في أسواق معينة، ما يجعل استرداد الاستثمار الكبير في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي صعباً.
أيضا خطر أن التوسع الهائل في مراكز البيانات في صناعة الذكاء الاصطناعي، الذي يستلزم زيادة هائلة في استهلاك الكهرباء، ستعوقه قيود شبكات الطاقة الوطنية.
ماذا تقول صناعة الذكاء الاصطناعي رداً على ذلك؟
أقر سام ألتمان، وجه طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية، مراراً بخطر حدوث فقاعة في الأشهر الأخيرة مع الحفاظ على تفاؤله بشأن التقنية. قال في أغسطس: “هل نحن في مرحلة يشعر فيها المستثمرون ككل بحماس مفرط تجاه الذكاء الاصطناعي؟ في ي، نعم… هل الذكاء الاصطناعي هو أهم شيء حدث منذ فترة طويلة جداً؟ ي أيضاً نعم”.
يواصل ألتمان وقادة التقنية الآخرون التعبير عن ثقتهم في خارطة الطريق نحو الذكاء الاصطناعي العام، حيث يشير بعضهم إلى أنها قد تكون أقرب مما يعتقد المشككون. كتب زوكربيرغ في يوليو، مشيراً إلى شكل أقوى من الذكاء الاصطناعي تهدف إليه شركته “تطوير الذكاء الفائق أصبح الآن في الأفق“.
على المدى القريب، يقول بعض مطوري الذكاء الاصطناعي أيضاً إنهم بحاجة إلى زيادة سعة الحوسبة بشدة لدعم التبني السريع لخدماتهم. وقد أكد ألتمان، على وجه الخصوص، مراراً أن “أوبن إيه آي” ما تزال مقيدة في موارد الحوسبة، إذ يستخدم مئات الملايين من الناس حول العالم خدماتها للتحدث مع “تشات جي بي تي” وكتابة التعليمات البرمجية وإنشاء ال ومقاطع ال .
كما أصدرت “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” أبحاثهما وتقييماتهما التي تشير إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لها تأثير مفيد على مهام العمل، على عكس التقارير الأكثر إدانة من المؤسسات الأكاديمية الخارجية.
وجد تقرير “أنثروبيك” الصادر في سبتمبر أن نحو ثلاثة أرباع الشركات تستخدم “كلود” لأتمتة العمل. في الشهر نفسه، أصدرت “أوبن إيه آي” نظام تقييم جديد يُسمى “جي دي بي فال” (GDPval) يقيس أداء نماذج الذكاء الاصطناعي عبر عشرات المهن.
قالت “أوبن إيه آي” في منشور على مدونة: “لقد وجدنا أن أفضل النماذج المتقدمة اليوم تقترب فعلاً من جودة العمل الذي ينتجه خبراء القطاع… ة في المجموعة الفرعية من المهام التي تكون فيها النماذج قوية بشكل ، نتوقع أن إعطاء مهمة لنموذج قبل تجربتها مع إنسان سيوفر الوقت والمال”.
ذاً، كم سيكون العملاء على استعداد لدفع ثمن هذه الخدمات في النهاية؟ الأمل بين المطورين هو أنه مع تحسن نماذج الذكاء الاصطناعي وإذا تمكنت من إنجاز مهام أعقد للمستخدمين، فسيكونون قادرين على إقناع الشركات والأفراد بإنفاق المزيد للوصول إلى التقنية.
قالت سارة فريار، المديرة المالية لشركة “أوبن إيه آي”، في أواخر عام 2024، عندما سُئلت عن تقرير يفيد بأن الشركة ناقشت اشتراكاً شهرياً بقيمة 2000 دولار لمنتجات الذكاء الاصطناعي لديها: “أريد أن يكون الباب مفتوحا لكل شيء… إذا كان يساعدني ذلك في التنقل حول العالم مع مساعد حاصل على درجة الدكتوراه حرفياً لأي شيء أفعله، ف ك بالتأكيد حالات يكون فيها ذلك منطقياً جداً”.
رئيس مجلس إدارة “أوبن إيه آي” تؤرقه الفقاعات لكنه ما زال مطمئناً
في سبتمبر، قال زوكربيرغ إن فقاعة الذكاء الاصطناعي “ممكنة تماماً”، لكنه أكد أن قلقه الأكبر هو عدم إنفاق ما يكفي لاغتنام الفرصة. قال في مقابلة بودكاست: “إذا انتهى بنا الأمر إلى إنفاق مئتي مليار دولار بشكل خاطئ، فأعتقد أن ذلك سيكون مؤسفاً جداً بالطبع… لكن ما أود قوله هو أنني أعتقد بالفعل أن المخاطر أعلى على الجانب الآخر”.
ما الذي يكوّن فقاعة سوق؟
الفقاعات هي دورات اقتصادية تعرف بالزيادة السريعة في قيم السوق إلى مستويات لا تدعمها الأساسيات الأساسية. وعادة ما يتبعها بيع حاد، ما يُسمى الانفقاء.
غالباً ما تبدأ الفقاعة عندما ينجرف المستثمرون في حالة من المضاربة المحمومة -على تقنية جديدة أو فرصة سوقية أخرى- ويتكدسون فيها خوفاً من تفويت مزيد من المكاسب. حدد الاقتصادي الأميركي هيمان مينسكي خمس مراحل لفقاعة السوق هي الانتقال والازدهار والنشوة والكسب والذعر.
يصعب أحياناً اكتشاف الفقاعات لأن أسعار السوق قد تنفصل عن قيم العالم الحقيقي لأسباب عديدة، كما أن الانخفاض الحاد في الأسعار ليس دائما أمراً لا مفر منه. ولأن الانهيار جزء من دورة الفقاعة، فقد يكون من الصعب تحديدها حتى بعد وقوعها.
بشكل عام، تنفجر الفقاعات عندما يدرك المستثمرون أن التوقعات العالية التي كانت لديهم كانت مرتفعة جداً. وعادة ما يتبع ذلك فترة من الحماس المفرط الذي يتحول إلى هوس، عندما يشتري الجميع عند قمة الاتحاه السائد.
وجهوا عيناً نحو فقاعة الذكاء الاصطناعي والأخرى لتباينات أسعار الائتمان
ما يأتي بعد ذلك عادة هو عمليات تخارج بطيئة وممتدة حين تبدأ أرباح الشركة في التردي، أو عند وقوع حدث فردي يغيّر النظرة طويلة الأجل، ما يدفع المستثمرين إلى الإسراع في الخروج.
شركة صينية كادت تنهي حفلة وادي السيليكون
كان بعض المخاوف من أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد انفجرت بالفعل في أواخر يناير، عندما قلبت شركة “ديب سيك” (DeepSeek) الصينية السوق رأساً على عقب بإطلاق نموذج ذكاء اصطناعي تنافسي يزعم أنه بُني بجزء يسير من المبلغ الذي ينفقه كبار المطورين في الولايات المتحدة. أدى النجاح الفيروسي لشركة “ديب سيك” إلى عمليات تخارج من أسهم التقنية قدرها تريليون دولار، وانخفض سهم “إنفيديا”، وهو سهم رائد في مجال الذكاء الاصطناعي، بنسبة 17% في يوم واحد.
أكدت حادثة “ديب سيك” على مخاطر الاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي. لكن وادي السيليكون ظل ثابتاً إلى حد كبير. في الأشهر التي تلت ذلك، ضاعفت شركات التقنية خطط إنفاق الذكاء الاصطناعي المكلفة، واستأنف المستثمرون التشجيع على هذه الرهانات.
ارتفعت أسهم “إنفيديا” من أدنى مستوى لها في أبريل إلى أرقام قياسية جديدة. بلغت قيمتها أكثر من 4 تريليون دولار بحلول نهاية سبتمبر، مما يجعلها الشركة الأكثر قيمة في العالم. فهل تكررت أحداث عام 1999؟
كما هو الحال مع طفرة الذكاء الاصطناعي اليوم، اجتذبت الشركات التي كانت في قلب جنون فقاعة الإنترنت كميات هائلة من رأس مال المستثمرين، مستخدمة غالباً مقاييس مشكوكاً فيها مثل حركة مرور مواقع الويب بدلاً من قدرتها الفعلية على تحقيق الربح.
كان كثير من نماذج الأعمال المعيبة وتوقعات إيرادات مبالغ فيها. تسابقت شركات الاتصالات لبناء شبكات الألياف الضوئية لتكتشف أن الطلب لم يكن موجوداً لدفع ثمنها. عندما انهار كل شيء في عام 2001، صُفيت شركات كثيرة، واستحوذت شركات أفضل حالاً منافساتها بأسعار منخفضة.
أوجه تشابه بيّنة بين فقاعة الإنترنت وعصر الذكاء الاصطناعي
يمكن العثور على أصداء عصر الإنترنت في البنية التحتية الضخمة للذكاء الاصطناعي، والتقييمات المرتفعة جداً، والعروض المبهرجة للثروة. كان مستثمرو رأس المال الاستثماري يتوددون إلى شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة بطائرات ة ومقاعد دائمة في مق ات المشاهدة في الملاعب وشيكات كبيرة. تُروّج شركات ذكاء اصطناعي ناشئة عديدة لإيراداتها المتكررة كمقياس رئيسي للنمو، ولكن شكوك حول مدى استدامة أو إمكانية التنبؤ بهذه التوقعات، لا سيما بالنسبة للشركات الناشئة.
تكمل بعض شركات الذكاء الاصطناعي العديد من عمليات جمع التمويلات الضخمة في عام واحد. لن تزدهر جميعها بالضرورة. قال بريت تايلور، رئيس مجلس إدارة “أوبن إيه آي” والرئيس التنفيذي لشركة ”سييرا“ (Sierra)، وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها بـ 10 مليارات دولار: “أعتقد أن كثير من أوجه التشابه مع فقاعة الإنترنت”.
كما كان الحال في عصر “دوت كوم”، يكاد يكون مؤكداً أن عدداً من الشركات عالية الأداء ستفلس. لكن في رواية تايلور، ستكون أيضاً شركات كبيرة تظهر وتزدهر على المدى الطويل، تماماً كما حدث مع “أمازون” و”ألفابت” مالكة “جوجل” في أواخر التسعينيات.
قال تايلور: “صحيح أن الذكاء الاصطناعي سيغير الاقتصاد، وأعتقد أنه سيخلق، مثل الإنترنت، كميات هائلة من القيمة الاقتصادية في المستقبل… أعتقد أننا أيضاً في فقاعة، وسيخسر كثير من الناس كثيراً من المال“.
هل تحسين الإنتاجية سيعم الشركات؟
قال رئيس مجلس إدارة “أمازون”، جيف بيزوس، إن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يشبه “فقاعة صناعية” أشبه بفقاعة التقنية الحيوية في التسعينيات، لكنه ما يزال يتوقع أن يحسّن إنتاجية “كل شركة في العالم”.
أيضاً بعض الاختلافات الرئيسية عن طفرة “الدوت كوم” يُشير إليها مراقبو السوق، أولها هو الصحة والاستقرار الواسع النطاق لأكبر الشركات التي تتصدر هذا الاتجاه. معظم مجموعة “السبعة العملاقات” لشركات التقنية الأميركية هي شركات عملاقة راسخة تشكل جزءاً كبيراً من نمو الأرباح في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”. تتمتع هذه الشركات بتدفقات إيرادات ضخمة ولديها مخزونات كبيرة من المال.
على الرغم من الشكوك، فقد تقدم اعتماد الذكاء الاصطناعي أيضاً بوتيرة سريعة. لدى “تشات جي بي تي” من “أوبن إيه آي” حوالي 700 مليون مستخدم أسبوعياً، ما يجعله أحد أسرع المنتجات الاستهلاكية نمواً في التاريخ.
كما شهد كبار مُطوري الذكاء الاصطناعي، ومنهم “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك”، نمواً قوياً في المبيعات بشكل ملحوظ. توقعت “أوبن إيه آي” سابقاً أن تزيد الإيرادات عن ثلاثة أضعاف في عام 2025 لتصل إلى 12.7 مليار دولار.
في حين لا تتوقع الشركة أن يكون تدفقها النقدي إيجابياً حتى قرب نهاية هذا العقد، فإن الصفقة الأخيرة لمساعدة الموظفين على بيع الأسهم أعطتها تقييماً ضمنياً بقيمة 500 مليار دولار- ما يجعلها الشركة الأكثر قيمة في العالم والتي لم تُحقق ربحاً على الإطلاق.
إقرأ المزيد


