موقع التيار - 12/7/2025 8:58:09 AM - GMT (+2 )
(المدن)
لم تكن مشاركة مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله عمار الموسوي على رأس وفد من الحزب في مؤتمر عن فلسطين في اسطنبول، بالزيارة اليتيمة إلى هناك. لا بل هي تحمل مؤشرات كثيرة، خصوصاً أن زيارات أخرى سبقتها للموسوي وغيره من حزب الله حيث عقدوا لقاءات مع المسؤولين الأتراك الذين يعملون على نقل رسائل بين الحزب والقيادة الجديدة في سوريا بهدف تخفيف التوتر وطمأنة الطرفين ومنع أحدهما من تهديد الآخر. للمفارقة أن الزيارة تأتي بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط بشار الأسد، حيث كان الجانبان على طرفي نقيض، فتركيا كانت داعمة بارزة للثورة السورية وضد الأسد، بينما حزب الله ومن خلفه إيران دعما الأسد حتى الساعات الأخيرة ما قبل سقوطه.
منذ سنوات، والعلاقات التركية الإيرانية قائمة، ويحكمها التنسيق بين الطرفين، وعلى الرغم من الاختلاف في المقاربات حول سوريا ووضعها، وجد الطرفان التركي والإيراني قواسم مشتركة وخيوط للتنسيق ولا سيما من خلال مؤتمر آستانة. العلاقة بين تركيا وإيران ندية إلى حدود بعيدة، وعلى الرغم من التنسيق والتفاهم والعلاقات المشتركة إلا أن التنافس بينهما يبقى قائماً، هذا التنافس موغل في التاريخ، ويمكنه أن يبقى قائماً في المستقبل. سبقت إيران تركيا، في طرح مشروعها للمنطقة وتوسيع نفوذها، ونجحت في فترة من الفترات في بسط نفوذها في دول عديدة، فكان لإيران تأثير ونفوذ قويان في فلسطين، لبنان، وسوريا من خلال العلاقة مع نظام الأسد. أنقرة تأخرت في إظهار مشروعها أو طموحها لريادة مشروع على مستوى المنطقة، لكن ملامحه بدأت بالظهور ما بعد الربيع العربي.
شكلت سوريا، كما منطقة البلقان والقوقاز ميدان تنافس أساسي بين أنقرة وطهران، انفجرت بشكل واضح في الصراع الذي اندلع قبل سنوات بين أرمينيا وأذربيجان، هذا الصراع الذي حسم لصالح تركيا. إثر عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، أدارت تركيا موقفها بالكثير من الدبلوماسية، بينما إيران تأرجحت بين العمل الدبلوماسي والسعي لدعم حلفائها في هذه المواجهة. تعرضت طهران لضربات قوية جداً أدت إلى إضعافها وتقويض نفوذها على مستوى المنطقة، بينما كانت تريد تثبت هذا النفوذ انطلاقاً من دورها في مفاوضات غزة، والاستفادة من دورها في أوكرانيا وعلاقتها مع روسيا. جنبت أنقرة نفسها عن تلقي أي ضربات، بينما إيران ضربت في قلب عاصمتها طهران.
كل ذلك كان من ضمن إعادة رسم التوازنات في المنطقة، فبعد التحولات العسكرية التي حصلت، وحالة الضعف التي أصابت إيران، اختار أحمد الشرع في سوريا تنفيذ عملية ردع العدوان العسكرية والتي أوصلت في النهاية إلى دمشق. بحسب ما يقول المسؤولون المقربون منه فإن تركيا لم تكن موافقة على انطلاق هذه العملية، وكانت تخشى من الفشل العسكري ما سيؤدي إلى نتائج عكسية. ولكن مع انهيارات الخطوط الدفاعية لجيش الأسد، بدأت أنقرة تتحمس أكثر فأكثر، ودخلت في مفاوضات مع روسيا وإيران، من موقع قوي هذه المرة باعتبار أن طهران في حالة ضعف، روسيا منشغلة في أوكرانيا، وتركيا لديها حلفاء يتقدمون على الأرض في سوريا، وتستشعر قدرتها على قلب التوازنات. ووفق هذه القاعدة انطلقت في مفاوضاتها ومساعيها والتي تواصلت حتى يوم السابع من كانون الأول في اجتماع عقد في العاصمة القطرية الدوحة، وقد رفع الغطاء عن الأسد الذي سقط في اليوم التالي.
بذلك، تكون تركيا قد حققت تفوقاً على إيران، من خلال تقدمها في سوريا، وتثبيتها لدورها في غزة والإصرار على إرسال قوات إلى هناك، وهذا ما سيمنح تركيا فرصة لعب دور على الساحة اللبنانية، إلى جانب انشغالها بكيفية تثبيت الاستقرار في سوريا، وهذا يحتاج إلى منع إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها أو تلاعبها بالوضع السوري الداخلي، وأيضاً يحتاج إلى تفاهم مع إيران على عدم دعم أي جهة كانت محسوبة على الأسد وتريد إضعاف الشرع وسلطته حالياً. كما أن تركيا تعتبر أن مصلحتها ومصلحة إيران والدول العربية ككل وخصوصاً السعودية، تقتضي ضرورة نسج تفاهمات بين بعضهم البعض، لمواجهة التوغل الإسرائيلي ووضع حد للمطامع الإسرائيلية ومحاولاتها زعزعة الاستقرار في كل الدول وتخريبها أو إضعافها. على هذه القاعدة تحركت تركيا أكثر من مرة بين سوريا وحزب الله، وبين سوريا وإيران، ونقلت رسائل حول ضرورة وجود تنسيق بين الجانبين، وعدم تورط أحدهما في أي عمل ضد الآخر، لأن ذلك ستستفيد منه إسرائيل.
ما تريده تركيا هو ألا يكون لإيران أو حزب الله أي دور في الساحل السوري أو حمص أو أي منطقة هدفه زعزعة حكم الشرع. كما أنها تريد من الشرع أن لا يشكل أي خطر أو تهديد على حزب الله. هذا ما تعلمه إسرائيل جيداً، وهو ما تريد مواجهته من خلال تغذية منطق "الأقليات" التي تريد الاستثمار بها لمواجهة "هذه التفاهمات" بين قوى إسلامية متعددة.
إقرأ المزيد


